
18. الإطار الفارغ
عُرِفَ عني في كل عَمَلٍ أتولاه أن أُعَلِقَ في قاعةٍ رئيسية صِورَ كل الذين سبقوني إلى نَفس المنصب وتحتَ الصورة تاريخَ شغله للمنصب ، وأضعُ في نهاية الصَف صورتي يليها إطار ٌ بنفس المقياس لكن ليس فيه صورة ، وأقول لِمَنْ يسأل لماذا هذا إطارٌ فارغ ؟ : هنا سيضعون صورة الذي سيأتي بعدي .
وتتباين ردود الفعل من شخصٍ إلى آخر ، كلٌ بحسب إسقاطه للخطوة على نفسه .
إلتقيتُ بالرئيس فسألني عن ذلك فشرحتُها له ولَمْ أذكر في السِياق الإطارَ الفارغ . فقال : ولماذا لم تذكر لي الإطارَ الفارغ ؟ قلتُ لَه : لم أذكره لك لأنك ناجحٌ في عملك وأغلبية ُ شعبك يرغبون في بقاءك ولن نحتاج إلى الإطار الفارغ إلا إذا أنتَ قررتَ أن تستريح . ضحك و قال : كعادتك دبلوماسي في الحِوَار ، أشكرك .
ومَرتْ أيام ٌ أخبرني بعدها أنه قد عملَ نفس َ خطوتي وعَلّقَ صُوَر الرؤساء السابقين جميعاً من بعد الدولة العُثمانية في بهو القصر الجمهوري وضحك قائلاً ولكن بدون إطار فارِغ.
قلتُ : دعني أستفيدُ من الفُرْصة فأقولُ لك فكرةً : مِنْ مساوئ تاريخنا في اليمن أن المسؤول الجديد يلْعَنُ الذي قبْلَه ويعتبر ُ أن تاريخَ الشعب اليمني بدأ به وحدَه فلا يحفَلُ بمَنْ سَبقوه ولا يهتمُ بمَنْ يلحَقوه ما عدا سيادتك فإنك تذكر جميعَ مَنْ سبقوكَ بخير ، و اليومَ رَفعتَ صُوَرَهم في القصْر الجمهوري ، وأصبح عندنا لأول مرةٍ ذكرٌ حَسَنٌ رسمي على لِسَان الرئيس للرؤساء السابقين بينما كان اليمنُ قبل َ هذا لا يوجد فيه رئيس ٌ سابقٌ إلا في المنْفىٰ أو في المقبرة أو في السِجن تمهيداً لأحدهما.
وإني أقترح ُ عليك أن تُكَمل هذا بإعادة الرؤساء الذين لا يزالون على قَيْدِ الحياة ليعيشوا في اليمن فليسوا بعدَ اليوم بحاجة ٍ إلى المنفىٰ والشعب ُ قد إلتَفَ حولَك فلا خَوفَ عليك من عودةِ أحد حتى بيت حميد الدين . تأمل قليلاً ثم قال : أنا موافق على عودة كل الرؤساء السابقين عدا بيت حميد الدين فلا يزال لهم أنصار .
ذهبتُ إلى الرئيس وقلتُ له جئتُ أستأذنك في السفر غداً إلى القاهرة سأحضر مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية ، و إذا أذنتَ لي في زيارة الرئيس السلال والفريق العَمري فسأفعل وأبلغهما دعوتَكَ لهما إلى العَودة إلى اليمن . فوافق فوراً .
في المطار كان في إستقبالي سفير اليمن وأثناء القهوة في قاعة التشريفات سألتُه : هل تزور السلال والعمري ؟ فإمتقعَ لون وجهه وقال : هل بلغوا الرئيس أني أزورهما ؟ فقلتُ له : وهل تظن أن أخبارك تخفىٰ على الرئيس ، لكن لا تقلق قد سويتُ المسألة مع الرئيس وكل شيء على ما يُرام بالنِسبَة لك مع الرئيس ، لكن هذه المرة سوف أكلفك أن ترافقني لزيارتهما . إنتابته مشاعرٌ مختلطة : أنا ممتنٌ لَك وشاكر لك وتحت أمرك أوصلك حيث تريد ، قلتُ لَه : وستحضر معي لأنني أحملُ إليهما رسالة ً من الرئيس .
ورَتَبَ الزيارتين وحضر معي ونقلتُ اليهما رغبة الرئيس في عودتهما إلى اليمن وأنه سيصرفُ لهما المرتبات كلٌ بدرجته التي خرج بها. لقد إحتفيا بي إحتفاءً كبيراً ، وخصوصاً الرئيس السلال لِمَا كان بينه وبين أبي من ملاحاة في أول أيام الثورة و قال لي : والله يا أستاذ عبد الملك أني أعترف أمامك اليوم وأمام السفير أنك كريم عظيم ورغم إساءتي لأبيك تأتيني بنفسك . أنا خجلان منك ، وقد طَالَ الحوار وذلك لَه حديث آخر.
—————————————————————————————————-
? اللُغة :
- مَسَك قبضَ عليه. وأمسَك.
- مِسْك نوعٌ من الطيب .
- مُسْك القليل من الطعام .