362- المُصِيْبَةُ
362- المُصِيْبَةُ
الإثنين 29 مارس 2021
الدكتور
عبد الملك منصور حسن المصعبي
- masabi@icloud.com
- dr.masabi@gmail.com
الإنسانُ بطبعه الأصيل يُحِبُ نفسَهُ و تِلْقَائيَاً يُدَافِعُ عنها ، و هو غالباً يفعلُ كلَ ذلك مِنْ دون أن يأمرهُ أحدٌ أو يحثُهُ عليه .
لذلك فالإنسانُ لا يُؤذِ نفسَهُ ، و لا يقبلُ بأي إيذاءٍ يقعُ عليه أو يقعُ فيه .
لذلك يرى الإنسانُ أن كل ما يُؤذيه هو مُصِيْبَةٌ فيُديمُ منها الشكوى ، و بها يتضجرُ ، و عن إدانتها لا يتأخر .
قد تكونُ المصيبةُ حادثَ سَيْرٍ ، أو إصابةٌ بمَرَضٍ ، أو نُزُولُ هَمٍ ثَقيلٍ يَجْثُمُ على الصدرِ و لا يُغادرُ ، أو غَمٌ يعشقُ المُصابَ و يُغرَمُ بالغريمِ فلا يكادُ يُفَارقُهُ أو يَحِلُ عنه.
يُبَادرُ المؤمنُ لحظةَ وقوعِ المصيبة الى القول :
” إنَّا للهِ و إنَّا إليه راجعون ” يقيناً منه بأنَ الفَرَجَ بيدِ اللهِ تعالَىٰ وحدَهُ لذلك فاليه يتجه ، فقد أوْضَحَ القرءآنُ الكريمُ منهجَ التعاملِ مع المصيبة إذا وقعتْ :
” وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥)
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ
عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧) [البقرة
الإسترجاعُ إذن إعادةٌ للأمور إلى نِصابها ، إنَّا للهِ أي أُقرُ و أعترفُ أنني عبدٌ للهِ تعالَىٰ و مِلْكٌ لَهُ فليفعلْ بي ما يشاءُ لَنْ أعترضْ وَ لَنْ أتَذَمَرَ فعليه توكلي و إليه مآلي ولَهُ وَحدَهُ فَوَضتُ أمري .
مع اللهِ تعالَىٰ ليس بيدي إلا التسليمُ لكل ما يأتي من عنده فهو الربُ و أنا العَبدُ ، فهو وحدَهُ الملك و أنا عبدٌ يُحاسبُني و يِسائلُني كما يشاء و عَلَيَّ التسليمُ و الإستسلامُ و الرضا فهو الملكُ الذي :
” لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ” الأنبياء 23
فالبَلاءُ أمرٌ مَلْحُوظٌ منذ البدئ :
” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ” الملك 2
حين تقعُ المُصيبَةُ تتفاوت رداتُ فعلِ الإنسان فإما صبرٌ ورضا وشكرٌ و هذه مقاماتٌ عُليا يوفقُ اللهُ تعالَىٰ عبادَهُ الى الوقوف فيها ، أو جَزَعٌ و سخطٌ و غضبٌ وهذه سقطاتٌ يُوْقِعُ الإنسانُ نفسَهُ فيها .
و لَو تَوَقف عند وقوع المصيبة و تأمل ما المُتَاحُ له من المخارج و اختارَ اليسيرَ السهلَ منها لَتَخَلَصَ من المصيبة و يتحوَلُ من كونه مُصَابَاً إلى مُصِيبٍ .
و موقفهُ هذا ينبني على قناعة مستقرة مفادُها :
” وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ” الشورى 30
إنه دائماً يرجِعُ الى نفسه يُسَائلُها ماذا جرى و لماذا ، و كم أسهمتُ أنا في وقوع هذه المصيبة ؟
فالمُتَضررُ يُلقي باللائمة على كل الناس و يلومُ كلَ الظروفِ إلا نفسَهُ و الظروفَ التي بيده تغييرها نحو الأفضل لكنه لا يفعلُ .
حينَ تقعُ مُصيبَةٌ يَتَلَفَتُ الإنسان باحثاً عن مصدرها ، و عادةً يُمْسِكُ المَصْفُوعُ أقربَ يَدٍ إليه ، و يُحمِلُها المسؤوليةَ .
و إذَا غَلَبَ على ظَنِهِ مَنْ هُوَ غريمُهُ يُبَاشرُ في توجيه كل طاقاته نحوه في تَلَضي فؤاده بالحقد عليه ، و حشرِ كل قُدراته للردِ و الصَدِ .
لكنه لا يفعلُ ذلك إذا كانتْ نفسه هي السبب ، و لو أنصَفَ لفعل و ارتاح و أراحَ .
و الإنسانُ العاقلُ الذي يواجه ما يقعُ عليه بهدوء لو تأملَ جيداً لَوَجَدَ أن للمصيبةِ غالِبَاً وجهاً جميلاً ، يحتاج إذا أراد رؤيته إلى تريثٍ و تأنٍ .
فقد دَلَّتْ التجارِبُ في حيواتنا التي نعيشها و في التاريخ الذي عَبَرَ و غَبَرَ أن كثيراً من المحن حَمَلَتْ في طَيَّاتِها مِنَحَاً .
صحيحٌ إنَّ كلَ المصائبِ مَرِيْرَةٌ لكن بعضها أمَرُّ مِنْ بعض ، ففقدُ الحبيب و العزيز يقعُ مريراً بقدر المكانة التي كانتْ لَهُ في قلوبنا .
لذلك كلما خطرَ المحبوبُ الذي فقدناهُ و افتقدناه تملأُ المَرَارَةُ الحلقَ و نحسُّ أننا أنكدُ الخلق.
لكن الحَسرةَ و إن عَظمتْ و الحُزنَ و إن كَبُرَ لا يُعيدُ رَاحلاً و لا يُثَبِتُ زائلاً ، و الحَالُ أننا كلُنَا راحلونَ زائلونَ لن يَبْقْ في هذه الحياةِ حَيٌ و لكن كلٌ يرحلُ في موعده .
و لو كان بيدي أن أختارَ مَنْ يرحلُ و مَنْ يبقى لأخترتُ للبقاء النبيَ محمدٍ عليه الصلاةُ و السلامُ و مجموعةً رائقةً فائقةً من أحبابي الذين رَحَلوا .
لكن الأماني لا تُغَيِّرُ الأقدارَ ورغم عُلُو منزلةِ النبي عليه الصلاةُ و السلامُ عند ربه فقد خَاطَبَهُ بالتصريحِ لا بالتلميح :
” إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ” الزمر 30 فلا مُحَاباةٌ و لا تمييز ، الكلُ خاضِعٌ لمشيئةِ الله تعالى وقد قرر منذ الأزل قراراً حاسماً :
- ” كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ” الرحمن 26
- وَ ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ “آل عمران 18
- وَ ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ” الأنبياء 35
- وَ ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ” العنكبوت 57
و إنَّا للهِ و إنَّا إليهِ راجعون
ولا حولَ و لا قوةَ إلا باللهِ
و الحمدُ للهِ رَبُ العَالَمين .
الدكتور
عبد الملك منصور حسن المصعبي