368- التُخْمَةُ
368- التُخْمَةُ
الأحد 4 إبريل 2021
الدكتور عبد الملك بن منصور
بن حسن المصعبي
- dr.masabi@gmail.com
- masabi@icloud.com
- +1(949)299-6880
العَلاقَةُ بينَ الجَسدِ و الطَعامِ كعلاقةِ الآلةِ التي تعملُ بالوقود ، فلا تُكَلَّفُ الآلةُ بالعملِ من دونه ، و لا يُعْطىٰ للآلَةِ فوقَ حاجتها .
و لا يُعْطَىٰ للآلة ما يزيدُ على سِعةِ خزان الوقود .
و الجسمُ البشري يحتاجُ الى الغذاءِ ليُحرقَهُ بحركتهِ الدائبَةِ لإنجازِ
المهامَ المُوْكَلَةِ إليه . كما أن لَهُ خَزانَاً للوقودِ .
و لدى الجسمِ نظامٌ دقيقٌ للتَعَامُل مع الغذاءِ من مرحلةِ تناولِهِ ثم إستقبالُهُ و طحنُهُ ثم توزيعُ خلاصَتَهُ و عُصاراتُهُ الى الأجهزة المُختصة ، حيثُ يتمُ تزويدُ الأجهزة جميعاً بنوعينِ من الغذاء :
نوعٌ أساسيٌ وهو موحدٌ و مبذُولٌ للجميع ، و نوعٌ خاصٌ يتمُ فيه تزويدُ كل جهازٍ بالغذاء الخاص الذي يحتاجُهُ ليقومَ بالمهمةِ المُوْكَلَةِ إليه على أحسنِ و أتمِ وَجهٍ .
و القَدرُ الزائدُ عن حاجةِ الجسمِ تَعْمَدُ الإدارةُ الفطريةُ للجسم إلى تخزينه في أماكن كثيرة كالكبد و غيره .
كأن الإدارة الفطرية للجَسدِ تقولُ لذاتها : ليس لديَ ما يُطمئنُنِي أن هذا الطعام الذي جاءَ اليومَ بهذه الكمية الكبيرة سَيَأتي غداً بنفسِ الكمية، لذلك سوف آخذُ بالإحتياط الوَاجب ، و بعد أن يحرقَ الجسمُ ما سيحرقُهُ بالاستخدام و تنفيذِ مهامِ الحياة و ما سيُحْرقُهُ بالرياضة من هذه المواد سوف أقوم بتخزين الزائد لأستخدمه عندما تَشُحُ الوارداتُ .
فإذا كَثُرَتْ الموادُ المُخَزَنَة يبدأُ
” الكَرشُ ” بالظهور ، وقد يفرحُ صَاحبُ الكرشِ لأن بعضَ اصدقائهِ من المكرشين قالوا له : مبروك هذا كرشُ الوَجَاهَةِ .
و لا يزالُ يتحملُ هذا الثقلَ الجديدَ لِيَكْتَشفَ أن الكَرشَ يَكْبُرُ و لا تأتي الوجاهةُ لكن الذي جاء كان شيئاً آخر بغيضٌ ضارٌ وهي ” السِمْنَةُ ” .
و لا تزالُ السمنةُ فَتَاكَةً بالجسد و مُسَيْطِرَةً عليه إلى أن تَلِدَ أولاداً أشراراً يَجْعَلُوُنَ مهمَتَهُم في الحياة هي إضعافُ الجسمِ الذي يَحِلُونَ فيه و يحتلونَهُ بدون دعوةٍ منه و لا ترحيبٍ بقدومهم .
و كأنما يُتَسَابَقُ الأولادُ في النشاط التدميري سِبَاقاً لا ينتهي بفوزِ أحدٍ من المُتَسَابقينَ و إنما ينتهي بتدمير الجسم و إنهياره مالَمْ تُدْركُهُ رَحمةُ اللهِ تعالَىٰ .
و يكونُ أولُ مولودٍ تَلِدُهُ السِمنةُ هو ” الدَاءُ السُكري ” حين يضعفُ ” البنكرياسُ ” عن إفرازِ ” الإنسولين” الذي يحرقُ مايزيد من السكر عن الحاجة .
فيفرحُ السكرُ لغياب الخطر المُحرقُ لَهُ ، فيزدادُ تكاثراً و تراكُمَاً و لا يُبَالي بأي إعتراضٍ .
بل إن السكرَ يَتَمَادىٰ في باطله ويَظُنُ نفسَهُ صاحبَ الدار ِ فيَنْطَلِقُ يدعو أصدقاءه المقربين الذين هم أخوته من أُمهِ .
يُنَاديهم بأسمائهم قائلاً : أنتم تعلمون مِقْدَارَ تَعلُقي بكم ، و أنني و إياكم قد أقْسَمْنا قَسماً قاطعاً جَاداً أن نعيشَ معاً .
و قد أردتُمْ تكريمي بأن قلتم لِي : أنتَ القائدُ فأمُرْ و نحن سنحضرُ حيثما تكون أنتَ بدون تَرَدُدٍ .
و الإخوةُ المَدعوين هم ثلاثة ٌ :
1-اليُوريك أسيد ، و قد كان الأقدمون يسمونَهُ النُقْرُس و يترجحُ عندهم ان الإفراطَ في اللحم سبَبُه ، لذلك كانوا يطلقون عليه:
” داءُ الملوك ” ظناً منهم أن الفقر و اللحم لا يجتمعان فعند الفقراء بين اللحم و الفقر تَنَافرٌ دائمٌ و ربما عَدَاوة .
2- الكالسترول و يعتني بتجميع الشحوم و ربما سَدَتْ مجاري الدم مما يُضيقها فيخفُ التدفقُ المطلوب .
3- و الثالثُ البغيضُ الذي يكرهه الجميعُ العالم و الجاهل و هو الإختلالُ في ضغط الدم .
و هو الذي لا أعراضَ له و لا يعطي أي إشارة واضحةٍ ، و لذلك يُسمىٰ ” القّاتِلُ الصَامتُ ” .
لقد كان المَخْرَجُ من كل هذه المعارك هو ضبطُ إغلاقِ الفم فلا يدخلُ إلا ما يحتاجه الجسم و لا يُسْمَحُ بدخول ما لا يحتاجهُ .
لكن عوامل كثيرةً تظافرتْ و تعاونت لتجعل الإنسانَ يغفلُ عن خطورةِ التخزين و حصلتِ السمنةُ ثم وَلَدتْ أولادَها في غفلَةٍ منه .
و مما يزيدُ الخَطَر أن العاملَ الوراثي يؤثرُ في إصابة الجسم بهذه العلل ، الأمرُ الذي يُحَتمُ اخذ الحذر منذ وقتٍ مبكرٍ من الشباب .
إن إجتنابَ الإسرافِ و التَبذير في الإستهلاك هو مفتاحُ النجاح و الفلاحُ والصحة كلها .
إن هذا الجَسَدُ هو مطيَّتنا نسيرُ به الى أهدافنا لتحويل قيمنا الى حركةٍ وحياة ، لذلك علينا الإعتناءُ به و إحترامُهُ و تجنيبه كلَ ضار .
الدكتور
عبد الملك بن منصور بن حسن المصعبي