370- الطَعَامُ
370- الطَعَامُ
الثلاثاء 6 إبريل 2021
الدكتور
عبد الملك منصور حسن المصعبي
- masabi@icloud.com
- dr.masabi@gmail.com
- +1(949)299-6880
الحمدُ للهِ تعالَىٰ الجَوَادُ الكريمُ ، خلقنا تَفضلاً منه إبتداءً ، و بَسَطَ لَنَا مِنَ النِعَمِ ما لا نَقْوَى على إحصائهِ ، و صَرَفَ عَنَّا من المحنِ ما كان سيُهلِكُنَا لَو وَقَعَ .
سَخَرَ الخلقَ بعضَهم لبعضٍ فَهم جميعاً يخدمونَ بعضَهم بعضاً شَعَرُوا أم لَمْ يشعروا.
و جعلَ التعاونَ و التكاملَ بين الناسِ سبيلاً مُشْرَعَاً مَشْرُوعَاً ، فها نحن نأكلُ مما زرعه إخوةٌ لنا ، بينما هم يَلْبَسُونَ مما نسجناهُ .
و نحنُ نجهدُ لنُنْتِجَ سياراتٍ ووسائلَ مُوَاصلاتٍ و نبيعُها إلى إخوةٍ لنا و على مُتُونها إلى أهدافهم يصلون ، فنحن و إخوتنا في تكاملٍ بديعٍ ، يُوَثِقُ وَثيقَ إخوتنا الإنسانية .
و نبني بالتكامل بين منتجاتنا مجتمعاً عالمياً كبيراً نَوَدُ لَهُ أن يسمو بالعلاقات بين البشر من مجرد التبادل التجاري البحت إلى العُلُو في آفاقِ البناء الحضاري للحضارة الإنسانية العظيمة.
و في طريقِ الوصول إلى هذه القمة السامية علينا أنْ نفتحَ عيوننا على نَعَم الله تعالى و نحمدهُ عليها بالصوتِ العَالي و الخفيتِ في آنٍ معاً .
و مهما أكثرنا من حمد اللهِ تعالَىٰ فلن نستطيعَ أن نجعلَ حمدنا و شكرنا له يُتكافأ مع حجم نعمه .
مهما زادتْ عبادتُنا و زَادَ ذكرُنا له فنحنُ في دائرةِ التقصيرِ قاصرونَ ، فحقُ ربنا علينا كبير و تقصيرنا في حَقهِ كبيرٌ و علينا خطير .
فمثلاً الطعامُ يحتاجُهُ الإنسانُ إحتياجَ حياةٍ و بدونه يتعرضُ الإنسانُ الى التلف ، فهو ضعيفٌ بَيِّنُ الضعفِ .
و الإنسانُ لا يجدُ عن الطعام بديلاً و لن يجدَ ، و الشعب ُ الذي لا يزرعُ في أرضه حاجتَهُ من الطعام يجوع.
الطعامُ وكل ما يدخلُ في مسمى ” القُوتُ ” يسعى الأحرارُ الى تأمينه من أرضهم أو من أرض غيرهم مقابل أن يؤمنوا للآخرين ما يُقابلُ الطعامَ في الأهمية مما تُنتجُهُ أرضُهم و يحتاجه الآخرون .
إن القعودَ عن الإنتاجِ مأثَمٌ عظيمٌ وعدم شكر الله على ما أعطى جريمةٌ مثلُهُ .
و مثلما نشكرُ ربنا عقبَ تناول طعامنا فعلينا أن نجعلَ شكرنا و حمدنا له مبتدأ كل يوم و خاتمةَ كل ليل ، و بهجةَ كل عبادة و إستبقاءً لكل سعادة .
و حين يحكُمُنَا الرُشْدُ فإنا نحفظ النعمَ من أن تَزُولَ بكامل إخلاصنا العبادةَ لله تعالى .
فإذا أحسنا في كسبِ النِعم و في إنفاقها فإن ذلك يحفظ النعم و يُبْقيها و يحرسُها من الزوال .
و اعطاء المحتاجين خيرُ وِقَاءٍ لَنا من المصايب و خيرُ تأمين لنا من وقوع الكوارث ، و كأن مشاركة النعمة يبقيها لنا و لمَن شاركناهم و إستئثارنا بها لوحدنا يحرمنا منها كلها و يعجل بزوالها .
و من ذلك ما نلاحظه على سلوكنا الإستهلاكي السيئ ، فنحن نطلب من الطعام أكثرَ مما سنأكل و ما يتبقى نرميه .
فنحن نخسرُ الطعام الزَائدَ و نَحْرِمُ المحتاجينَ الذين كان بقيةُ طعامنا يكفيهم . إنه خُسرانٌ و عارٌ كبيرٌ في نفس الوقت.
ما تبقى من طعامنا يجب علينا لَفُهُ بنظافة و تقديمه الى الجياع بلطافَة ، و نشكرهم على تفضلهم علينا بقبول بواقينا فهم في هذا الحال أفضلُ منا و أكرمُ و إن خُيِّلَ لَنا غير ذلك .
و أيُ وَليمةٍ يقيمُها القادرون مالياً ليس للجائعين منها نصيبٌ و لو من البقايا فهي وليمةُ الإثم و الظلم و العار و إن أُفتِتَحَتْ بتلاوةٍ من القرآن الكريم .
إن القومَ الذين يَتَسَرَعُونَ في رميِ فائضِ طعامهم في الزبالَةِ و لا يُعطون الجائعين هم أعفنُ من زبالتهم و إن رشوا على أنفسهم أبهى العطُور .
إن علينا إكرامَ المحتاجين و إقتسامَ ما معنا معهم ، فإنْ ثَقُلَ ذلك علينا فلا أقلَ من إعطائهم الفائضَ عن حاجتنا. و لكن علينا تقديمُهُ نظيفاً مُرتباً .
و من أجل أن يحصلَ ذلك علينا أن نغرفَ لهم من الطعام قبلَ أن تُلوثه أيادينا نفس الحجم الذي نُقَدرُ أنه سيفيض ُ ، من غير دقة في التقدير ، فإن زَادَ فهم يستحقون و إن نقصَ فهم سيقبلون .
وحين نغرفُ من القِدرِ الكبيرِ لأنفسنا طعاماً في الطبق لماذا نغرفُ اكثر مما سنأكل ؟. إن ذلك عبثٌ و إسرافٌ و خيلاء و مرضٌ ندخله أجوافَنا .
إن كلَ أكلٍ زِيادةً عن حاجتنا هو إعتداءٌ على أولئك الذين لا يجدون َ سَدَ الرمق.
وعند المَساء يمسكُ المُتْخَمُ معدتَه من الوجع بينما في منطقةٍ قريبةٍ منه هناك مَنْ يُمسكُ معدتَه الوجيعةَ من الجوع .
تلك اللقمةُ التي زادتْ فأوجعته كانتْ كافيةً لِتُزيلَ وجعَ الآخر الجائع.
الدكتور
عبد الملك منصور حسن المصعبي