374- كُنْ لَطِيْفَاً
374- كُنْ لَطِيْفَاً
السبت 10 إبريل 2021
الدكتور
عبد الملك منصور حسن المصعبي
- masabi@icloud.com
- dr.masabi@gmail.com
- +1(949)299-6880
هاتَفَنِي كما تعوَّدَ لكن صوتَهُ كان مُتَغيراً ، كأنما هو يتحدثُ من أعماقِ بئرٍ سحيقٍ بعيدِ القَاع ، قلتُ له : سلاماتٌ ماذا حدثَ لك ؟
لو كنتُ أدري بإن سؤالي سيُفَجِرُ داخلَهُ بركاناً لَمَا سألتُهُ ، لكن تبين لي أن البركان كان قد إنفجرَ بداخله قبلَ أن أسألَهُ و لَمْ يأتِ سؤالي إلا لِيُمِيْطَ الغِطاءَ .
سؤالي كان يُمْكِنُ لَهُ أن يَرُدَ عليه بالردود التقليدية التي تعودنا عليها : أشكرك لإهتمامك ، ليس بي بأسٌ ، لعلَهُ من إرهاقِ العمل ، و نحوَ ذلك .
و لكنه لِشِدةِ ضَيْقِهِ بحالِهِ تَدَفقَ شَلَالَاً من الشكوى ، قال أنه قد وَقَعَ في عظيمِ البَلوَى و أصابتْهُ شِدَةُ اللأوَاءِ .
واخذ يُعَدِدُ الوانَاً و صُوَرَاً مما يعتبره كَوَارِثَ كَونيةً . شكى من زوجته ، و من أولادهِ ، الكُلُ لا يسمعُ له كلاماً ، و إذا طلبَ من أحدٍ طلبَاً لا يعمله و لا يعتذرُ .
أما الزوجةُ فشامخةٌ مشغولة بعوالِمَ ليس لي فيها سهمٌ و لا نصيبٌ . تعيشُ معي لكنها على صلةٍ بالذين في شبكاتِ التَوَاصل اكثر من صلتها بي و بأولادها .
حتى بنتها الكبيرة التي تعارفَ الناسُ أنها صديقةُ أمها إذا سألتُها أين ذهبتْ أُمكِ لا تعلَم ، ربما هي تعلَم لكن أوصتها ألا تُخْبرني أو لا تعلم حقيقةً و في الحالين أنا الذي أشقى لكثرِ ما منهم القى .
قال مع تنهيدة ٍ : يا صديقي أنا أخبرك بأخباري الخاصة لأنك صديقي الحبيب ، فارجوك لا تَحُسْ بأي حَرَجٍ و أشِرْ عَلَيَّ بما تراهُ مناسباً .
ثم أردَفَ : لقد أصبحَ الإكتئابُ لَزيمي ، و التشاؤمُ مُغْرَمَاً بي ، و الإنزواءُ هو المُفضلُ عندي ، و النَزَقُ رَفيقي ، و التأفُفُ سجيتي ، و اليأسُ هو الذي يحكُمُنِي.
لم أكن كذلك من قبل ، لكن الآن كلُ ما كان حبيباً الى قلبي من العطور و الثياب و المآكل لم يعدْ له عندي وزنٌ يُمكِنُ أن يُذْكَر .
قلتُ له :
- زوجتك التي تتضايق منها أقترح عليك أن تذهب فوراً اليها و تقول لها : إنني أحمدُ اللهَ تعالى أن أكرمني بكِ شريكَةً لي في حياتي ، و بدونك لا أدري كيف كانت ستكونُ حياتي .
- قُلْ لها أنتِ عيوني التي أرى من خلالها العَالَم. و ذائقتي التي بها أتذوَقُ المطعومات و المشروبات ، و من خلالك و بك أشمُ الكونَ كله عطراً فَوَاحَاً.
- قل لها أنتِ أجملُ إمرأةٍ في العالم ، و اخبرها أنك مقتنعٌ بهذا تماماً و ليس مجاملةً .
- و بنتك و ابنك إخبرهما إنك تُحبهما بلا حدود و أنكَ لا تريدُ مقابلَ حبك لهما أي منفعةٍ منهما.
- عامل زوجتك وإبنتك و إبنك كما تعاملُ أصدقائك تماماً . و اعطِ لزوجتك و أولادك حقهم في أن يكون لكلٍ منهم خصوصيةٌ لا تريدُ أنتَ الإطلاعَ عليها حتى لو رغبوا .
- لا تفتشْ تلفون زوجتك ولا تلفونات أولادك ، وإذا جاءَ بريدٌ مُغْلَقٌ بأسمائهم فلا تَفُضُ المُغَلَّف .
- كلُ ما يودُونَ سترَهُ عنك فلا تفتشْ بعدَهُ .
- لا تُعَلِّي صوتك مهما كان الخلافُ ، وتذكر أن الذي يحُسُّ أن حجته ضعيفةٌ يُعَوضُ النقصَ بالصياح.
- أُدعُ زوجتك و أولادك الى فعلِ الخيرات وخير اسلوبٍ للدعوة أن تكون أنت القدوة . فغيرُ معقولٍ مثلاً أن تبين لهم سوء عاقبة التدخين و أنت تدخن و لو سراً في الحمام .
- إعتمدْ اسلوبَ التمني ، فبدلاً من إصدار أمر : هاتي لي كذا ، قل : أتمنى أشرب من يديك كذا .
- تذكر أن كل خيرٍ و نعمةٍ أنت وزوجتك وأولادك تتمتعون به ليس لك أدنى فضلٍ فيه ، فالفضلُ أولاً و أخيراً للهِ تعالى ، فلا تُضفي على نفسك من صفات الإلوهيةِ شيئاً .
- كن على تَذَكرٍ دائمٍ أنك في نعمةٍ كبرى ، فعندك زوجةٌ تحبك وغيرك ليس كذلك ، وعندك أولادٌ يحبونك و غيرك ليس كذلك .
- تذكر أنك تعيشُ مع مجموعةٍ من الحَسَاسين الأذكياء ، لا تقل لنفسك يوماً لن يُلاحظوا ، بل كُنْ على يقين أنهم يعرفون عنك كل مساوئك لكنهم يسترون عليك و لا يحبون أن يحرجوك.
قلتُ له لا تتضايق من نصيحتي الطويلة و لكن جربها و لن تخسر شيئاً، بل انا على يقين أنك ستربح ، و اقلُ الربح أن صدركَ سيرتاح فالحبُ خيرُ مطهر لإلتهابات الصدر . فاعلن حباً لجميع مَنْ في البيت بل و لحارس العمارة و لكلاب الشارع .
الدكتور
عبد الملك منصور حسن المصعبي